[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ملخص جمعته من عدت كتب في مواطن حذف المفعول به ويسعدني وضعه على جنبات الفصيح العامرة:
متعلقات الفعل هي المفعول به والمفعول لأجله والمفعول معه والحال والتمييز والظرف،...إلخ.
وأبرز ما يقف عنده البلاغيون من هذه المتعلقات في باب الحذف والذكر هو المفعول به.
مواطن حذف المفعول به:
1. تنزيل الفعل المتعدّي منزلة اللازم؛ كقوله تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى)، (وأنه هو أمات وأحيا)..الشاهد طيّ المفعول به للأفعال المذكورة، وعندما قلنا طيّ؛ لأنه إذا قلنا حُذفت الأفعال، فالحذف يشعِر أن المفعول به مقدّر، والمقدّر كالمذكور، وهذه الأفعال لا نستطيع حصر المفعول به فيها...فهي تحتمل المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وتتسع اتساعًا يصعب حصره، فلذلك نزل الفعل المتعدّي منزلة اللازم في هذه الآيات..وكذلك من أسرار هذا الأسلوب هو إثبات الفعل للفاعل، ومنه القول: فلان يحلّ ويعقد، فلا يهمنا ماذا يحلّ ويعقد ولكننا نريد أن نجعل هذه الصفة له وباستطاعته.
2. إذا كان المفعول معلومًا بدلالة الحالة؛ كقول البحتري يمدح ابن المعتز، ويعرّض بالمستعين:
شدو حسّاده وغيظ عداه
......................أن يرى مبصرٌ ويسمع واعٍ
المراد أن يرى مبصرٌ محاسنه، ويسمع واعٍ أخباره، وهذا يتضح من المقام والسياق، والذي هو مقام مدح.
كما أن في هذا معنى آخر شريف رفيع، يقيّده الشاعر بعدم تقييده للفعل، وهو أنّ الممدوح خير محض، فلا يُرى منه إلا خير، ولا يُسمع منه إلا خير.
3. تعظيم شأن المفعول: قال تعالى: (والضحى والليل إذا سجى، ما ودّعك ربك وما قلى) القلى هو البغض، والحذف هنا وإن كان يفيد الاختصار، لتقدم ذكر المفعول به في كاف الضمير [ما ودّعك]، والبعض يقول في هذا الشاهد أيضًا مراعاة الفواصل، فإنه يفيد نكتة أخرى، هي كراهة أن يأتي القلى مع الضمير العائد على النبي –صلى الله عليه وسلم- وإن كان على سبيل النفي. وأما التوديع، فلمّا كان مشتهرًا بين الناس، وبخاصة الأحبة، فقد حسُن أن يأتي مع ضمير عائد على الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وهذا يوضّح تعظيم شأن النبي –صلى الله عليه وسلم-.
4. التأدُّب في القول: وقد يُحذف المفعول به تأدُّبًا وحياءً وصيانةً للّسان، ومثال ذلك ما يُروى عن أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة، فتقول: كنت أغتسل أنا ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، فما رأيت منه ولا رأى مني..فالأدب النبوي لم يكن في النظر أو الفعل وحسب، حتى امتدّ إلى الحياء والتأدُّب في القول.
5. التعميم: قال تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم)، والشاهد هنا: يدعو إلى دار السلام..وذلك لأن الدعوة عامة ولا تختصّ بجنس دون آخر، ولا بطبقة دون أخرى. وهذا فيه إظهار لتعميم الدعوة ثم نلاحظ في الآية أنه تعالى ذكر مفعول (يهدي) وهو الاسم الموصول {مَنْ} بخلاف حذفه في الجملة الأولى (يدعو إلى دار السلام)؛ وذلك لأن الهداية خاصة وتكون من الله عزّ وجلّ وبتوفيق منه، وأما الدعوة، فهي عامة، كما مرّ.
6. دفع التوهُّم: كقول عمرو بن معد كرب:
لو أن قومي أنطقتني رماحهم
........................نطقت، ولكن الرماح أجرّتِ
أجرّت: أي حبست لسانه عن ذكرهم، فحذف المفعول به {ياء المتكلم}، فالأصل {أجرّتني}؛ وذلك حتى لا يتوهّم السامع أن ما كان منهم خاصًا بعمرو وهو يريد معنى أنهم جبنوا في ذلك اللقاء، فلم تنطقه رماحهم..وهذا كقول القائل:
لقد كان منك ما يؤلم..فلو قال: ما يؤلمني، لتوهّم السامع أن الحدث ربما آلم المتحدّث لحساسية في نفسه، ولكن حذف المفعول به لدفع التوهُّم بأن التألُّم خاص به، فجعله عامًا، يبين فيه أنه ارتكب خطأً عامًا.
7.
إن لم يتعلق بذكره غرض لعدم إشغال الذهن بغير المقصود، وفي ذلك أيضًا معنى دفع التوهُّم: كقوله تعالى: (ولمّا ورد ماء مدين، وجد عليه أمةً من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتان تذودان، قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء، وأبونا شيخٌ كبير)، فحُذف المفعول به في {يسقون..} والمحذوف في المعنى "مواشيهم" وامرأتان تذودان؛ سواءً كان إبلاً أو غنمًا، دون تحديد لما تذودانه؛ لأن المهم في الصورة إظهار ضعف المرأتيْن، والذي حمل موسى -عليه وعلى نبينا السلام – على مساعدتهما.
8. الإيضاح بعد الإبهام: وهذا قد أطلق عليه عبد القاهر الإضمار على شريطة التفسير، قال تعالى: (فلو شاء لهداكم)؛ أي: لو شاء هدايتكم، فحذف المفعول به لما سيأتي من تفسير له، وهو قوله تعالى {لهداكم}. ومنه قول الشاعر:
فإن شئت لم ترقل وإن شئتُ أرقلت
.........................مخافة ملويّ من القدّ محصد
فالأصل: إن شئت عدم الإرقال لم ترقل، ولكن لأن ما سيأتي سيوضّح المحذوف، اكتفى بما سيأتي، ولاطّراد ذلك مع أفعال المشيئة، أصبح الأصل مع أفعال المشيئة حذف المفعول به، ولكنه عندما يُذكر يكون لنكُت بلاغية، كقول الشاعر:
فلو شئت أن أبكيَ دمًا لبكيته
...............................عليه ولكن ساحة الصبر أوسعُ
فالشاعر ذكر المفعول به {دمًا} لغرابة ذلك البكاء، فاستوجبت تلك الغرابة الذكر...