أطعموا
المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب: عنوان جد مثير.. وكتاب جد هام وعظيم، ذلك
الذي نشره مكتب التربية العربي لدول الخليج.. متحدثاً بوضوح وتفصيل عن
القيادة الناجحة في التعليم، وإني مع طول خبرتي في الميدان التربوي أؤكد
كل الحقائق التي جاءت في هذا الكتاب المترجم عن الإنجليزية لمؤلفته (نيلا
كونرز)، وقد قام بتعريب مادته التربوية العلمية الدكتور/ خليفة علي
السويدي، والدكتور علي الهاشمي، وقد جاء التعريب على المستوى اللغوي
اللائق بالتربية، فكراً وأسلوباً، وبالتعليم عطاءً وتجديداً..
@@@
وما جاء في ثنايا الكتاب كثير، متنوع، وهام، فيما يخص الإدارة المدرسية،
لأنه لا يوجد خلاف على أنه من المتوقع من المربين التعامل مع كافة القضايا
التي يأتي بها التلاميذ من أسرهم إلى مواقع التعليم، ثم العمل على تحويلها
إلى استعدادات تربوية.
ومن أبرز ما جاء من أسس قيادية جد عظيمة: أن الادارة الناجحة تغذي
المعلمين باستمرار، لتتأكد أنهم لن يُتغذوا على الطلبة.. وهذا يعني أن
القائد الناجح يركز على إيجاد بيئة تحث المعلم على المغامرة والعمل، بوصفه
مدرباً يقود المتعلمين في رحلة التفوق والنجاح.
@@@
العنوان ملفت للانتباه حقاً.. لكن المراد به غير ما قد يتبادر إلى الأذهان
بيننا.. وهو أن المعلمين إذا لم يشبعوا مالياً سوف يأكلون الطلاب عن طريق
الدروس الخصوصية.
هذا المعنى غير وارد.. لأنه لا وجود عندهم لهذه الدروس بالصورة البشعة
التي هي عندنا في معظم بلدان الوطن العربي.. ولهذا تقول الكاتبة "سأكون
راضية لو استطعت من خلال المعلومات التي سأعرضها في الكتاب الإسهام في
تطوير القيادات التربوية - لجعلها أكثر إيجابية في تعاملها مع المعلمين،
وهنا أحيي كل القيادات التي تهتم برعاية معلميها - إنها قيادات رائدة -
وهي السر في وجود المدارس الناجحة في مجتمعنا".
وعنوان الكتاب - كما أفاضت المؤلفة - يعني أن التغذية الدائمة للقائمين
على العملية التعليمية بالجديد في مجالهم، وإشباع عقولهم بما يتصل
بمادتهم، وتمكينهم من معرفة أنجع الطرق للتواصل مع طلابهم، وإعطائهم كل ما
في جعبتهم - كل ذلك كفيل بأن يجعل المعلم ممتلئاً بالعلم غير مفلس، وبهذا
لا ينقص الطلاب حقهم العلمي - إنما سيتحقق بإشباع المعلمين نهم الطلاب
للعلم، وقدح شراة التشوق للمزيد منه.
@@@
وقد يسأل القارئ.. ما هي سمات القائد التربوي الناجحة حتى نقيس عليها
قيادتنا التربوية - أو نجعل منها منهجاً لتحقيق التميز لقياداتنا في
المدارس، والمعاهد والجامعات، إذا كان هناك تقصير في نجاح هذه القيادات.
@@@
إن من أهم سمات القيادة الناجحة، المحققة بكل جدارة للهدف من العملية التربوية.
القدرة على الاهتمام بالآخرين، والعناية بهم، مع الرغبة في تحقيق النجاح.
وهناك عدة معايير يمكن استخدامها كالتحليل الطبي تكشف عن مدى نجاح وتميز
القيادة التربوية حسب ما جاء في الكتاب، من أهمها:
1- (نسبة تغيب المعلمين لدى القادة الفاعلين متدنية)؛ لحبهم للعمل،
وإخلاصهم له في ظل حسن معاملة هذه القيادة لهم، ولقد وقفت بنفسي على بعض
منها، هل أنسى معلم الفيزياء الذي كان يخرج من المستشفى في مكة المكرمة
ليعطي دروسه على كرسي متحرك ويعود بعد انتهاء الدروس إلى سريره، وحين
سألته عن سر هذا الحرص قال لي: إن مما يساعد على شفائي هو شعوري أني لم
أنقطع عن طلابي.. وها هو مدير مدرستي يرعاني مثل رعاية الوالد لولده. لقد
أكبرت الرجلين: المعلم، والمدير.
2- القائد الفاعل يبصّر المعلمين بما هو أفضل لمهنتهم، ومدرستهم، وتلاميذهم.
3- القائد الناجح يشارك المعلمين في الحوار، وهم لا يستبعدونه ثقة فيه، واطمئناناً لفاعليته، وتبادلاً للتجاوب المثمر معه.
4- وهو الذي يحث المعلمين على المشاركة في أوجه نشاط تطوعية إضافية.
5- القائد الفاعل يخصص وقتاً للتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ.
6- القائد الفاعل هو الذي يكون قريباً منك، وتشاهده دائماً زميلاً مشاركاً، لا مفتشاً متلصصاً باحثاً عن الهفوات.
7- القائد الناجح هو الذي يشعر بالراحة في تواصله مع المعلمين، ويناقش معهم القضايا الخلافية.
8- وهو الذي يستشعر أهمية تقويم المعلمين، ويأخذ بأيديهم فيما يحتاجون له من مهارات تحقق تميزهم.
9- القائد الناجح يشارك الآخرين مبادئه وتوقعاته، ويسعى دائماً للحصول على آراء العاملين معه.
10- يطلب من العاملين أن يتولوا هم تقويمه؛ ثقة منه بأن المرء لا يرى عيب
نفسه، ويذكرني هذا بالمقولة المشهورة لسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه
-: (رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي).
11- يجد أوقاتاً للعمل مع الطلاب، ومشاركتهم نشاطاتهم.
12- يسعى دائماً إلى راحة المعلمين معه.. وإشعارهم بالتقدير.
13- يحدد سلفاً مواعيد الاجتماعات وموضوعات النقاش فيها، والتعامل باحترام للجميع خلال عقدها.
وفي
جانب آخر القائد التربوي الناجح هو الذي يحقق الأمن بكل جوانبه، الأمن
الجسدي، الأمن الفكري، والأمن العاطفي، الأمن الاجتماعي، ساعياً بذلك إلى
التغيير نحو الأحسن، محققاً خطوات تطويرية أفضل.
قرارات، ومقاييس تربوية ماهرة.. يجب توافرها في القائد التربوي الناجح.
وإذا كان هذا الكتاب لازماً لكل قائد تربوي فإني أرى دائماً أن إعداد
المعلم والاهتمام به والتدريب المستمر له، وتحقيق السمات التي تجعله
دائماً مؤمناً برسالته، معطياً بسخاء لمادته، متجاوباً بصدق مع عمله سبق
أن وضحت ذلك في (الرسائل، العشر لفلسفة التعليم) والتي وجهتها لإخواني
المعلمين، وأخواتي المعلمات من قبل، وأكرر هنا منها:
الوصية الخامسة: (هناك حقيقة كبرى يجب ألا تغيب عن بال المعلمين وهي أن
الشرط الأساسي لنجاح العملية التعليمية أن يوجد المعلم في نفس المتعلم
شوقاً عارماً إلى العلم، وظمأ للمعرفة، وعزماً على الدرس والتحصيل).
وقلت لإخواني المعلمين وأخواتي المعلمات: هذا هو التحدي الكبير أمامكم، أن
تغرسوا هذا الشوق، وترووا هذا الظمأ.. وتقدحوا ذلك العزم، بالقول المقنع،
والقدوة الحسنة، والأسلوب الحكيم.
@@@
إن المعلم الكفء هو مدخل الطالب الكفء، وهو القدوة للطالب المثابر، وأنه
يجب على المعلم الاعتزاز بمهنته، وإدراكه المستمر لرسالته؛ فهذان الأمران
يدعوانه للحرص على طهارة السيرة.. ونقاء السريرة.. وحفاظاً على شرف مهنة
التعليم.
@@@
هذا عن بعض ما جاء في الكتاب المشار إليه عن القيادة التربوية أردفته بما
هو ضروري للمعلم ورسالته.. ولعلي في نهاية المقال أدعو إلى ديمومة الاطلاع
والتحصيل العلمي لكل من هو يتشرف بمهنة التربية والتعليم.. ولقد كنت ولا
أزال أشعر بالضيق حين يتكشف لي أن بعضاً من العاملين في المجال التعليمي
التربوي لا يتابعون الجديد، ولا يطلبون المزيد.
لقد حكى لي أحدهم أنه لم يفتح كتاباً منذ تخرج في الجامعة منذ عشرين
عاماً، وقد وجدت أن هذا هو السبب وراء تخلف ذلك الإنسان وأمثاله.
@@@ وإني لأدعو الله أن يجعله عاماً دراسياً حافلاً بالجد والعطاء..
محققاً لما ندعو إليه من التميز والإبداع.. وأن يكون لهذه الصفات التربوية
القيادية أثرها في حياتنا العملية في الميدان التربوي..
د/ محمد بن أحمد الرشيد