إن المداواة بالأعشاب في الواقع بدأت مع الحيوان ثم انتقلت إلى الإنسان عندما لوحظ أن الكلاب في حالات خوفها تعتل صحتها ولا تشفى إلا حين تأكل من أعشاب معينة كانت توقف إضطربات معدتها فتهدئ من روعها. كذلك القطط كانت تبحث عن أنواع نبات النعناع وتأكله بشراهة عندما تشعر بآلام بمعدتها، وكان النعناع يساعدها على طرد الغازات من بطونها (حيث أن النعناع يحتوي على زيت طيّار يطرد الرياح).
وبدأ الإنسان في إنتقاء غذائه وشرابه وما يمكن أخذه كدواء له، من مزيج سائل أو صلب من أنواع كثيرة من الأعشاب، وعلى مر السنين تكونت له الخبرة في تلك الأمور.
وعندما تطورت الحضارات الإنسانية، ظهرت فلسفة الطب الشعبي التي تبلورت مثلاً في قول أبو قراط (الطبيب اليوناني الشهير): " ليكن غذاؤك دواءك" و " عالجوا كل مريض بنباتات أرضه فهي تأتي بشفائه " .
إستعمال الأعشاب في الحضارات القديمة
كان للأعشاب علاقة بالحضارات القديمة مثل حضارة قدماء المصريين التي تعود إلى أكثرمن 4000 سنة ق.م. حيث أن قدماء المصريين اعتمدوا في تحنيط جثث الموتى وحفظها من التلف على بعض النباتات مثل: الحنة والبصل والصمغ وخيار شمبر والمر واللبان ونشارة الخشب والكتان ونبيذ البلح.
كما اكتشفت العديد من البرديات مثل بردية " هيرست" و " ايبرس"
و" برليت" التي تدون وصفات لعلاج أمراض العيون والحروق وأمراض النساء والولادة وبعض حالات الجراحة والأورام وبعض الأمراض الخفيفة مثل علاج الإمساك والإسهال والديدان والقروح.
وقد وجد العلماء أيضاً أسماء النباتات الطبيعية على النقوش التي وجدت على جدران المعابد مثل البلح والدوم والرمان والعنب والشعير والكتان وحبة البركة والداشورة وحب الفريز والعرقسوس وغيرها. وقد أحضروا نبات المر من السعودية والصومال ليزرعوه بمصر، وقد عثر على الفجل في بعض مقابر الأسرة الثانية عشرة حيث عرف أنهم كانوا يستعملونه كقطرة للأذن.
كذلك الصينيون القدماء الذين تفردوا في تجريب التداوي بالأعشاب على أنفسهم أولاً قبل تجريبها على الحيوانات، وظهر ذلك في منهج " شن تونغ " حوالي 2200 ق.م. الذي ألف كتابه المعروف بإسم " بن تساو" وقد كشف فيه أن نبات الأفدار هو نبات منشط ومدر للعرق. استخلص منه العلماء ماء الأفدارين في الطب الحديث، وأدخلت في ما بعد في العديد من المستحضرات.
وكتاب " بن تساو" يعتبر أول دستور للأدوية حيث يحتوي على 365 دواءً نباتياً بعدد أيام السنة، وكتاب " الوصفات العاجلة " والمئة وصفة.
واهتم الصينيون بموضوع الحمية ( الريجيم ) واعتبروها مهمة جداً للعلاج الطبي كما ركزوا على أدوية العنصر الواحد وتجنبوا الأدوية المركبة.
وأما العلماء اليونان الإغريق، فكان لهم الفضل الكبير في إنشاء المدارس التي تهتم بعلم الطب والصيدلة، كما رفع الإغريق كاهنهم " اسكولاس " إلى مصاف الآلهة واطلقوا عليه لقب إله الشفاء. وكانت الثعابين عندهم رمزاً للحياة والحكمة والشفاء وقد بقي الثعبان الملتف حول العصا رمز للصيدلة حتى اليوم.
ويعود الفضل إلى أبقراط - أبو الطب - في نقل طرق العلاج من الشعوذة والسحر إلى عهد الملاحظة والتجربة. فقد ذكر أكثر من 230 نوع دواء وعشبة، وجعل للأدوية أقساماً، فمنها ما هو للاستعمال الخارجي كالكمادات والزيوت والمراهم، وأخرى يتناولها المريض على شكل سائل أو على شكل حبوب أو قطرات. وما زال قسم أبقراط يردده الأطباء في كل أنحاء العالم. أما عن أبو النبات " نيوفراستوس" فوصف جميع النباتات والأعشاب التي كانت تنمو في اليونان، كما شرح صفات النبات الدوائي وكان من أوائل العلماء الذين ذكروا أهمية نبات الخشخاش كمسكن للآلام في عام 3 ق.م. كما بدأ أرسطو حياته كجامع للأعشاب، وفي ما بعد أصبح صديقاً ومرشداً للأسكندر المقدوني ورافقه في فتوحاته حيث سنحت له الفرصة بالتعرف على نبات المنطقة التي زارها.
أما الرومان، فقد نقلوا إلى روما الكثير من حضارة الإغريق والقدماء المصريين عن طريق مكتبة الأسكندرية التي كانت تضم آلالف المخطوطات، إشتهر منهم حاكم روما " كانو" الذي كان يضع أوراق الكرنب على الجروح والقروحات والأورام. وأشهر الرومان أيضاً: " أندروماك" وهو طبيب نيرون الشهير الذي كان يستعمل تركيبة تدخل فيها عشرات الأعشاب كترياق لعلاج حالات التسمم. كذلك " ديسقوريس" الذي عاش في نفس عهد السيد المسيح عليه السلام وألّف كتباً عديدة أهمها " الخشخاش " التي ذكر فيها 500 دواء، ويعتبر أول من استعمل علم النبات كمادة علمية في تطوير مهنة الصيدلة وأول من وصف الأفيون وشجرة الخشخاش.
أما العرب، فعرف عنهم بجانب شربة العسل وكية النار، وشرطة محجم؛ استعمالهم النباتات مثل البصل والكمون لأمراض الصدر، والتين لعلاج الإمساك، والحبة السوداء في حالات أمراض الجهاز الهضمي. كما وردت أسماء نباتات وأعشاب كثيرة لعديد من أمراضهم، أو لأكلهم أو لزينتهم، مثل السنامكس والحصير والزعفران والحنة والقثاد والعود والكافور.
وكان العرب أول من فصلوا بين الطبيب والصيدلي كمهنتين منفصلتين. ومن أشهر علماء العرب والمسلمين: جابر بن سينا الذي يعتبر أشهر كيماوي عربي له مؤلفات كثيرة أهمها: " السموم ودفع مضارها " و " الموازين " و " الخواص ". أما " الكندي" فهو من أشهر علماء العصر العباسي، ومن أهم كتبه " الغذاء والدواء المهلك "، " الأدوية الشافية من الروائح المؤذية " وكتاب " أشفية السموم " .
أما مؤلف كتاب " الحاوي " فهو العالم الجليل " الرازي" صاحب القول المأثور: " إذا كان في إستطاعتك أن تعالج بالغذاء فابتعد عن الأدوية، وإذا أمكنك بعقارٍ من عنصرٍ واحد فاجتنب الأدوية المركبة ". ومن طرق علاجه كان إستعمال السفرجل في علاج إلتهاب المثانة.
ويأتي بعد ذلك أعظم أطباء العرب الشيخ الجليل " إبن سينا " الذي له مؤلفات عديدة تفوق المائة، ومن أشهرها كتاب " القانون" الذي يعتبر موسوعة في الطب والصيدلة، والذي تضمن كثيراً من الأدوية المفردة والمركبة من أنواع العقاقير التي استعملها العرب والفرس والصينيون والهنود.
ولا يمكن أن ننسى إبن بيطار الذي كان يعتبر من أعظم علماء النبات العرب، وكان رئيس " العشّّابين " في عصر الملك الصالح الأيوبي، وقد ألّفَ كتباً عديدة أهمها " الجامع لمفردات الأدوية والأغذية " ، وهو الكتاب الذي جمع فيه كل ما صنف في الماضي، علاوة على إضافته ل 200 صنف جديد.
وأخيراً وليس آخراً، يجئ العالم " داود الأنطاكي " ، وله عدة كتب أشهرها " تذكرة أولي الألباب " و " الجامع للعجب العجاب في الطب " المعروف ب " تذكرة داود " عند الكثيرين، وهو يحتوي على ما لا يقل عن 1712 صنفاً من الأدوية ذات العنصر الواحد، كما يشمل أيضاً العقاقير والأعشاب، ووصفات طبية مرتبة حسب الحروف الأبجدية