ملف كامل عن احتشاء عضلة القلب (الأزمة القلبية)
myocardial infarction
ما هو احتشاء عضلة القلب ؟ ما أسبابه ؟ وما أعراضه؟
كيف نشخصه ؟ وكيف يتم علاجه ؟
إن مرض الأزمة القلبية يعتبر من أكثر أمراض العصر الحديث شيوعا، وقد يفقد المريض
حياته إذا لم يتم تشخيصه وعلاجه بسرعة وبالشكل الصحيح .
ولقد لاحظت أن التوعية بماهية وأسباب وطرق الوقاية والعلاج من هذا المرض فقيرة جدا في مجتمعاتنا ,بينما تزخر المجتمعات الغربية بآلاف النشرات والندوات والكتب التي توعي الناس بكيفية الوقاية والتشخيص المبكر لهذا المرض ، فكان لزاما علينا ومن منطلق الحرص على مجتمعنا محاولة نقل شذرات من هذا العلم الواسع وتضمينه أحدث ما توصلت إليه الدراسات الطبية في فهم كيفية حدوث هذا المرض وتشخيصه المبكر وعلاجه.
لا أريد أن أطيل عليكم في مقدمتي هذه ولكن أرجو أن تكون هذه المقالة كما أردتها - بما فيها من رسومات وفيديوهات توضيحية - شاملة وافية لا لبس فيها ولا غموض.
القلب والدورة الدموية: يـُعتبر القلب هو محور الدورة الدموية في الجسم, وهو عبارة عن جسم عضلي مجوف بحجم قبضة اليد تقريبا ويتكون من أربع حجرات ,بطينين(ventricles) بجدر عضلية قوية وأذينين(atria) بجدر أرق نسبيا.
تبدأ الدورة الدموية عندما يصل الدم إلى القلب (إلى الأذين الأيمن تحديدا) وذلك عبر الوريدان الأجوفان العلوي والسفلي (superior &inferior venae cava) ومن ثم ينتقل عبر الصمام ثلاثي الشرفات (tricuspid valve) إلى البطين الأيمن الذي يقوم بالانقباض بقوة ليضخ الدم
إلى الشريان الرئوي الذي يتغلغل داخل الرئة ,لتقوم هي بدورها بتخليص هذا الدم من غاز ثاني أكسيد الكربون الضار واستبداله بالأوكسجين (عملية أكسجة الدم).
ومن بعد ذلك ينتقل الدم من الرئة عبر الأوردة الرئوية إلى الأذين الأيسر من القلب الذي يوصله عبر الصمام الميترالي إلى البطين الأيمن (وهو الأهم لعمل القلب) حيث يقوم بالانقباض بقوة كبيرة ليضخ الدم عبر الشريان الأورطي -الأبهر- الذي يعتبر أكبر شرايين الجسم والذي يمتد ويتفرع ليصل إلى كل أنسجة الجسم حيث تقوم الخلايا بالتقاط الأوكسجين والمغذيات الموجودة في الدم وتعطي الدم بالمقابل فضلاتها وثاني أكسيد الكربون ,ثم يرجع الدم إلى دورته داخل الأوردة وصولا إلى الأذين الأيمن للقلب لتبدأ الدورة من جديد وهكذا... سبب انقباض القلب؟ تنقبض عضلات القلب- كغيرها من عضلات الجسم - ردا على الإحاثات الكهربية المختلفة ,ولكن يتميز القلب عن غيره من العضلات باحتوائه على خلايا متخصصة متجمعة مع بعضها البعض فيما يسمى بالعقد العصبية (nodes) ولهذه الخلايا القدرة على توليد نبضات كهربية بشكل ذاتي وبنظام دقيق جدا بدون خلل ولا كلل, هذه النبضات تنتشر إلى الأذينات أولا ومن ثم تتحرك نزولا إلى بطينات القلب عبر ضفائر عصبية محددة مزروعة داخل جدار القلب فتقوم هذه البطينات بالانقباض بشكل متزامن ولمرة واحدة فقط لكل نبضه كهربية.
إذا حدث اختلال في توليد تلك النبضات الكهربية من العقد العصبية أو في توصيلها عبر الضفائر العصبية وفروعها أو في توزيعها وانتشارها داخل العضلات القلبية يحدث ما يسمى بالاختلال في كهربية القلب (arrhythmia) وهذا بالطبع سيظهر على هيئة اختلال في انقباض عضلات القلب. الإمداد الدموي للقلب : يحتاج القلب كغيره من أنسجة الجسم إلى إمداد دموي مستمر , بل وبسبب أن للقلب دورا محوريا في الجسم وبحكم عمله الدؤوب بلا كلل ولا ملل فإن وجود تروية دموية مستمرة وكافية يـُعد متطلبا رئيسيا لقلب صحي سليم ، بل ويجب أن تكون هذه التروية متفاعلة مع عمل القلب تزيد عندما يبذل مجهودا أكبر عند تسارع الدقات (عند التمارين العضلية مثلا) وتقل عندما يرجع إلى حالة الراحة . تتم التروية الدموية للقلب عبر الشرايين التاجية (الإكليلية) وسميت بذلك لأنها تحيط بالقلب كما يحيط التاج بالرأس , هذه الشرايين التاجية -وعددها إثنان أيمن وأيسر -تخرج من جذع الشريان الأورطي مباشرة بعد خروجه من القلب ثم تستمر هذه الشرايين بالتفرع باستمرار لتشكل شبكة وعائية تحيط بالقلب وتغذيه. الإحتشاء في عضلة القلب : يـُعرف بين العامة بالأزمة القلبية وأحيانا بالنوبة القلبية ويحدث عندما ينقطع الإمداد الدموي لجزء ما في عضلة القلب فتحتشي العضلة وتعاني من نقص الأكسجين فتختنق وتموت! وغالبا ما يكون السبب هو انسداد أحد الشرايين التاجية الذي يلي تمزق أحد لويحات الكوليسترول
المترسب في الجدر الداخلية للشرايين التاجية للقلب(تصلب الشرايين)يتبع هذا التمزق تكون خثرات دموية داخل تجويف الشريان مما يؤدي إلى انسداده فيتعرقل وصول الدم بما يحويه من أكسجين ومغذيات ضرورية لانقباض خلايا القلب النشطة التي بحكم عملها الدؤوب تحتاج إلى إمداد كامل ومستمر من الأكسجين ,عقب هذا الانسداد تبدأ الخلايا القلبية في الاختناق تدريجيا وإذا لم يتم تصحيحه بسرعة تبدأ عضلات القلب في التحلل والموت. آليّة حدوث الإحتشاء لقد حبى الله جسمنا البشري بآليات عدة تتناغم فيما بينها لتحافظ على سيولة الدم بينما يدور داخل الشرايين والأوردة المختلفة, ومن أهم هذه العوامل بقاء السطوح الداخلية لجدرالشرايين على حالتها الطبيعية الملساء الناعمة فيمر الدم فيها بيسر وسهولة, فإذا اختلت هذه الجدرالشريانية -لأي سبب من الأسباب -تبدأ عندها سلسلة من التفاعلات تنتهي بتكون تجلط -تخثر- للدم في هذا المكان من الشريان المعتل وقد يتسبب هذا بانسداده الكامل. ومن أمثلة الأمراض التي تؤثر على جدر الشرايين مرض يسمى بتصلب الشرايين (atherosclerosis) الذي يحدث عندما ترتفع نسبة الكوليسترول الضار والمسمى بالبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة (low density lipo protien-LDL) في الدم مما يؤدي إلى ترسبها داخل جدار الشريان على هيئة لويحات (صفائح) دقيقة وتتم هذه العملية بتدرج شديد حيث أنها قد تبدأ في سن صغيرة (في المراهقين والشباب) وتمتد وتتنامى على مدى عشرات السنين حتى تبدأ في إظهار الأعراض عند سن كبيرة عندما يبلغ التضيق الحادث بفعل هذه الترسبات مبلغه وتبدأ الأعضاء المتأثرة بهذا الضيق في الاعتلال, بالإضافة إلى أن هذه اللويحات تكون عرضة للتمزقات مما يؤدي إلى استفزاز أنظمة الجسم المسئولة عن تجلط الدم فتبدأ الصفائح الدموية (platelets) بالالتصاق بألواح الكوليسترول وتكون بمشاركة ألياف الفايبرين(fibrin) الجلطات الدموية التي قد تسد الوعاء الدموي. صورة مجسمة للصفائح الدموية المستثارة التي التصقت ببعضها البعض مكونة
الجلطة,لاحظ وجود ألياف الفايبرن أيضا التي تساهم في تكوين الجلطة إذا وصل الضيق الحادث في داخل الشرايين القلبية المتصلبة إلى درجة التأثيرعلى كمية الدم الواصلة لعضلة القلب تبدأ الأعراض بالظهور، وأهمها حدوث الألم المعروف بالذبحة الصدرية الذي يحدث عندما يقوم الجسم بمجهود عضلي يتبعه زيادة في ضربات القلب غير مترافقة بزيادة في التروية الدموية له بسبب الضيق الموجود بالشرايين التاجية, ويزول هذا الألم عادة عند الراحة حين ترجع دقات القلب إلى طبيعتها بدون أن يترك ذلك الانقطاع المؤقت للتروية الدموية أثرا على خلايا القلب. أما إذا حدث تمزق في أحد ألوح الكوليسترول وأعقب ذلك تكون جلطة في هذا الشريان الضيق أصلا بفعل التصلب فإن الإمداد الدموي هنا سينقطع بشكل كامل ومستمر لتبدأ خلايا القلب في الأنين بحثا عن الأوكسجين الذي إذا ظل غائبا لأكثرمن 20 دقيقة تبدأ بعدها في التحلل والموت تدريجيا وخصوصا عند السطح الداخلي لعضلات جدار القلب, وإذا استمر هذا الانقطاع الدموي لأكثر من ساعة أو ساعتين يكون الضرر عندها قد شمل كامل المنطقة العضلية التي تتغذى من هذا الشريان المسدود . بعد أيام إلى أسابيع على حدوث الاحتشاء يبدأ الجسم باستبدال الخلايا القلبية الميتة بنسيج ليفى ضعيف ليس له القدرة على الانقباض بل وقد يكون أكثر عرضة للتمزق وقد يـُحدث مشاكل لا حصر لها في المستقبل. الأعراض : تتميز الأزمة القلبية بأن أعراضها تبدأ بسرعة وتستمر بالازدياد اضطرادا على مدى عدة دقائق وصولا إلى الذروة ، ويعتبر الشعور بآلام الصدر هو أكثر الأعراض شيوعا في مرض الأزمة القلبية ويصف المرضى هذا الألم غالبا بالثقل الشديد الذي يجثم على صدورهم أو كقوة عاصرة كبيرة تشتد حول الصدر .. وليس غريبا أن يسمى
هذا الألم لشدته بالذبحة الصدرية !!
(angina pectoris) وقد يترافق هذا الألم بشعور عارم بالهلع والخوف من الموت عند هؤلاء المرضى . ويجب علينا هنا أن ننوه إلى نقطة في غاية الأهمية .. حيث إن الذبحة الصدرية هي علامة من علامات انقطاع التروية الدموية لجزء من عضلة القلب فإذا حدث هذا الانقطاع بصورة مؤقتة لمدة أقل من عشرين دقيقة فإننا نقول ان المرض توقف عند مرحلة الذبحة الصدرية فقط ( يكون غالبا نتيجة انسداد جزئي أو كلي ولكن مؤقت لجزء من الشرايين التاجية) وهنا تزول الأعراض نهائيا بعدها وتعود عضلة القلب إلى سابق عهدها أما إذا استمرت الذبحة الصدرية لأكثر من 20 دقيقة (نتيجة إنسداد كامل ودائم لجزء من الشرايين التاجية) فإنها تسمى هنا بالأزمة القلبية ولا بد من أن ذلك سيترك أثرا على عضلة القلب التي ستبدأ في التحلل والموت . ينتقل الألم الصدري -قلبي المصدر-غالبا إلى الكتف الأيسر وقد يرافقه آلام في الجهة اليسرى من الفك والرقبة والظهر،وفي حالات أخرى قد يظهر الألم في منطقة المعدة ليحاكي –خطأ- آلام قرحة المعدة أو آلام وحرقة الارتجاع الحمضي في أسفل المريء وهذه الأعراض الغير تقليدية قد تعرقل سرعة التشخيص التي تكون مطلوبة هنا بشكل كبير. يترافق هذا الألم بضيق في التنفس الذي ينشأ من بعد رشح للسوائل البلازمية الموجودة في الدم إلى ما حول وداخل الحويصلات الهوائية الرئوية وذلك بعد أن يفشل البطين الأيسر للقلب -بدرجات مختلفة- في أن يضخه بعيدا عن القلب والرئة ، وقد يزداد رشح هذه السوائل داخل الرئة بشكل حاد وكبير ليهدد حياة المريض وينذر بحدوث ما يسمى بالاستسقاء الرئوي(pulmonary edema) وما يتبعه من فشل تنفسي حاد.
من الأعراض الأخرى التي قد نجدها وجود شعور حاد بالغثيان والذي قد يـُتبع بنوبات من القيء المصاحَب بدوار بالإضافة إلى زيادة في التعرق
(diaphoresis) ويبدأ المريض بالإحساس بتسارع وخفقان
(palpitation) في حركة القلب, وترجع هذه الأعراض الأخيرة إلى محاولة الجسم للحفاظ على دورته الدموية من أن تتداعي بسبب العلة الموجودة بالقلب فيعمل على بث كميات كبيرة من الكاتيكول أمين(catecholeamines) مثل الأدرينالين(adrenaline) والنورأدرينالين ( nor adrenaline) في الجسم لتدعم ضغط الدم ولتقوم بتنشيط عضلات القلب. ولكن إذا كان الضرر كبيرا فسيعجز القلب رغم كل هذا عن ضخ كميات كافية من الدم المؤكسج(المحتوي على الأوكسجين) إلى أعضاء الجسم وخصوصا إلى المخ فيبدأ المريض بالشعور بفقدان الاتزان وقد يفقد الوعي ، وإذا ما حدث إختلال في كهربية القلب -كحدوث إرتجاف بطيني مثلا -يحدث عجز كامل عن ضخ الدم .. أي أن القلب يتوقف وتحدث الوفاة. قد تختلف هذه الأعراض قليلا في النساء وكبار السن .. ففي النساء يطغى الشعور بالضيق التنفسي الشديد على الشعور بالألم الصدري –على عكس الرجال-ويرافـِق هذا الضيق شعور عام بالإجهاد والضعف ، ومن الملاحظ أن هذه الأعراض العامة قد تأتي في النساء قبل البدء الفعلي للإحتشاء القلبي بأيام كثيرة وقد تصل إلى شهر كامل من الزمان في بعض الأحيان. وفي سياق حديثنا عن أعراض الأزمة القلبية يجب علينا التنويه على نقطة في غاية الأهمية ألا وهي ملاحظة أنه في ربع أو ثلث الحالات حدثت الأزمة القلبية بلا أية أعراض على الإطلاق وهنا تـُكتشف بالفحوصات الكهربية والمخبرية للقلب وتـُسمى في هذه الحالة بالأزمة القلبية الصامتة(silent myocardial infarction ) التي غالبا ما تأتي في كبار السن أو في مرضى السكري عندما يدمر مرض السكر الأعصاب الطرفية التي تنقل الإحساس من القلب ، كما وقد تأتي هذه الحالة الصامتة في المرضى الذين سبق وأن أجريت لهم عمليات زراعة القلب بسبب ضعف التوصيل الحسي بين القلب المزروع من جهة وبين الجسد من جهة أخرى. الأسباب وعوامل الخطر :
ترتبط الأزمات القلبية غالبا -إضافة إلى وجود شرايين قلبية معتلة - مع حالات الإجهاد البدني أو النفسي الكبرى، ولكن وبشكل عام فإن للحالة الصحية العامة للمريض أثر كبير على احتمالية تعرضه للإصابة بالأزمات القلبية.فقد أثبتت الإحصائيات أن الإجهاد البدني والنفسي الكبير (كالقلق,التوتر, الغضب ) يرفع من خطر الإصابة بالأزمات القلبية إلى ستة أضعاف, مقارنة بمن لم يقع تحت هذا الإجهاد, وترتفع هذه النسبة إلى 35 ضعف إذا ما ترافق هذا الإجهاد مع أمراض مزمنة كأمراض الكبد أو الكلي أو الأمراض الحادة الشديدة كالإلتهاب الرئوي مثلا.
ولابد أنك تساءلت عزيزي القارئ عن الكيفية التي يقوم بها الإجهاد والتوتر لإحداث الأزمة القلبية , ولقد تمت الإجابة عن هذا السؤال مؤخرا .. فباستخدام مسبار وعائي مزود بجهاز دقيق للموجات فوق الصوتية (intravascular ultrasonography) درس العلماء تلك الألواح التصلبية المترسبة داخل جدر الشرايين التاجية ولاحظوا أن تكرار تمدد وانكماش هذه الشرايين المعتلة و الفاقدة لليونة بسبب تصلبها يؤثر بطريقة ميكانيكية على هذه الألواح "الكوليسترولية", فإذا حدث الإجهاد الذي تكلمنا عنه ,أدى التسارع الكبير في ضربات القلب وقتها وارتفاع الضغط المصاحب له إلى تمدد شديد للشريان الفاقد لليونته فيتشقق لويح الكوليسترول ثم يتمزق لتحدث الجلطة.
لقد وُضعت العديد من النظريات التي تربط حدوث تصلب الشرايين والجلطات بوجود عامل جرثومي مـُسبب, فقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن البكتيريا الحلزونية البوابية المسبـِبَة لقرحات المعدة والاثنى عشر والمسماة بـ هيليكوباكتربايلوري(Helico bacter pylori)وفيروس سايتو ميجالو
(CytoMegalo Virus CMV) وبكتيريا الكلاميديا الرئوية(chlamydia pneumonae)المسببة لالتهاب الرئة قد يكونوا سببا في إحداث الأزمة القلبية!!!!!
وعلى الرغم من أن هذا الكلام قد يبدو غريبا وشاذا عند الكثيرين فلا بد لنا أن نؤكد على أن هذه النظرية الجرثومية لا تزال تشكل خلافا حادا بين العلماء كواحدة من مسببات تصلب الشرايين والأزمة القلبية, فمؤيدي هذه النظرية استندوا إلى كشفهم لبكتيريا الكلاميديا الرئوية داخل الخلايا الموجودة في لويحات الكوليسترول داخل جدر الشرايين المتصلبة ودعموا رأيهم بكشفهم لوجود معدلات أعلى من الأجسام المضادة لهذه البكتيريا في دماء مرضى الشرايين التاجية.
البكتيريا الحلزونية البوابية التي ربطت بأمراض الشرايين أما معارضي هذه النظرية - وهم كـُثر- فقد استندوا إلى دليل واقعي عملي وذلك بالاستدلال بدراسة أجريت عام 2005 حين تم إعطاء بعض مرضى الشرايين التاجية مضادات حيوية لتقضي على هذه البكتيريا المتهمة وكانت النتيجة أن ذلك لم يحسن -بأي شكل من الأشكال -حالة شرايينهم المتصلبة وبالتالي فإن نسب حدوث الأزمات القلبية عندهم بقيت على حالها لم تتغير,ويدفع هؤلاء المعارضون بأن وجود هذه البكتيريا داخل لويحات الشرايين المتصلبة لا يعني بالضرورة أن تكون هي المسببة لهذا التصلب وللجلطات القلبية فوقه فيما بعد.
وفي سياق حديثنا عن العوامل المسببة للأزمات القلبية فقد لاحظ العلماء إزدياد نسبة الإصابة بالأزمات القلبية في ساعات الصباح الأولى (وخصوصا في حدود الساعة التاسعة صباحا) وذلك بالمقارنة مع ساعات المساء, وقد وُضعت عدة افتراضات لتفسير هذه المشاهدة الغريبة استنادا إلى افتراض أن قدرة الصفائح الدموية (platelets ) الموجودة بالدم على التجمع والالتصاق ببعضها البعض لتـُحدث لنا الخثرات (الجلطات) الدموية تتغير بتغيرالدورة اليومية للجسم البشري(circadian rhythm), وترجع هذه الدورة اليومية إلى العديد من الهرمونات التي تفرز في الدم يوميا في أوقات معينة من النهار والليل لتنظم عمل أجهزة الجسم المختلفة ومن بين هذه الهرمونات هرمون الكورتيزون الذي يبلغ قمته في الدم عند ساعات الصباح الأولى والذي قد يكون الزناد الذي يحفز الصفائح الدموية على الالتصاق وتكوين الجلطة.
عوامل الخطر :
تعتبر مرض الاحتشاء العضلي للقلب ومرض تصلب الشرايين وجهان لعملة واحدة, فهما يتشابهان في العوامل المسببة لهما بشكل كبير , ونذكر من هذه العوامل:
1- كـِبَر السن: وخصوصا في الرجال الأكبر من 40 عام أو في النساء الأكبر من 50 عام.
2- التدخين وشرب الكحول: وجد أن للسموم التي تحتويها السجائر تأثير مباشر على بطانة الأوعية الدموية وخصوصا التاجية مما يحفز تكون ألواح الكوليسترول والجلطات.
3- زيادة الكوليسترول في الدم :وبشكل أدق نقول زيادة البـروتيـنات الـدهنيـة فــي الـدم وخصوصا مع ارتفاع نسبة البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة أو ما يعرف بالكوليسترول الضار (LDL) وبالمقابل انخفاض نسبة البروتينات الدهنية عالية الكثافة أي الكوليسترول المفيد (HDL).
4- مؤخرا تم الكشف عن أن ازدياد تركيز الحامض الأميني المعروف بـ هوموسيستايين
(homocystiene) في الدم يتناسب طرديا مع إحتمالية الإصابة بالأزمة القلبية وترجع هذه العلاقة إلى التأثيرات السمية لهذا الحامض الأميني على الشرايين التاجية للقلب مما يجعل جدرها دبقة فتلتقط الكوليسترول الموجود في الدم بسهولة,ويجدر الذكر بأن زيادة هذا الحامض الأميني تحدث عند إنخفاض تركيز حامض الفوليك (folic acid) وبعض الفيتامينات الأخرى مثل فيتامين ب2,ب6 وب12 في الدم , وبالتالي فإن تعويض الجسم بهذه الفيتامينات قد يقلل من تركيز هذا الحامض الأميني وبالتالي يقلل من خطر الإصابة بأمراض الشرايين القلبية.
5- مرض السكري ,سواء كان من النوع الأول أو من النوع الثاني, ومرض ضغط الدم المرتفع يزيدا إحتمالات الإصابة بالأزمات القلبية وخصوصا إذا ما ترافقا بعدم ممارسة منتظمة للرياضة.
6- السمنة (البدانة) : فالأشخاص الذين يتعدى مؤشر كتلة أجسامهم (B M I) الـ 30 كجم لكل متر مربع من الطول يكونوا أكثر عرضة للإصابة بالأزمات القلبية.
7- التوتر: فالأشخاص الذين يرزحون تحت ضغط وتوتردائمين قد يـُصابوا بتصلب الشرايين وأمراض القلب أكثر من غيرهم.
8- يعتبر الذكور بشكل عام أكثر عرضة للإصابة بالأزمات القلبية عن الإناث ,و بالأصح فإن الهرمونات التي تفرز في أجساد النساء تقي قلوبهن من هذه الأزمات, ولكن وبعد أن يقل إفراز هذه الهرمونات في الدم مع اقتراب النساء من سن انقطاع الطمث المعروف بسن اليأس تبدأ هذه النسبة في التقارب شيئا فشيئا بين الجنسين .
9- وجود تاريخ مرضي عائلي لأزمات قلبية حدثت عند أي من أفراد العائلة (أب, أم,أخ......إلخ) قبل سن الستين عام قد يرفع إحتمالية الإصابة بمثل هذه الأزمات فيما بعد ويعزى ذلك إلى وجود ارتباط جيني ما للإصابة بأمراض الشرايين والأزمات القلبية في العائلات.
ولقد اتـُهمت الجينات كثيرا بضلوعها في إحداث تصلب الشرايين والأزمات القلبية فيما بعد, وهنالك من
المشاهدات ما يدعم هذا, فقد لوحظ أن وجود سمات جسدية معينة في الشخص قد يرتبط بالأزمات القلبية ,حيث وجد أن الأفراد الذين يـُظهرون صلع وراثي أو شيب مبكر للشعر أو وجود تجعيدة معينة في حلمة الأذن (تعرف هذه الأخيرة بعلامة فرانك <frank's sign> وهي الأهم ) قد يكونوا أكثر عرضة عن غيرهم للإصابة بالأزمات القلبية.. وعلى الرغم من أن هذه الارتباط هو مجرد ارتباط إحصائي بحت بدون وجود أي دليل علمي مقنع بين وجود هذه العلامات وبين ازدياد خطر الإصابة بالأزمات القلبية إلا أن افتراض وجود توليفة جينية واحدة تربطهم ببعضهم البعض قد يكون تفسيرا مقبولا لم يتم تأكيده بعد, ولقد أجريت عشرات
الأبحاث حول العالم لدراسة هذا الارتبـاط خلصت بعضها إلى نفيه ولكن أكثرهـا أكدت وجود مثل هذا الارتباط الإحصائي بين وجود علامات خارجية في الجسم (وخصوصا علامة فرانك) وبين الأزمات القلبية.
وهنا لابد لنا أن ننوه إلى أنه إن وجد دور للجينات في إحداث الأزمة القلبية فإنه يعتبر دورا ثانويا مقارنة بعوامل أخرى مثل الدهون في الدم ومرض السكري وعدم ممارسة تمارين رياضية وغيرها.
10- قد تلعب العوامل الاقتصادية والاجتماعية دورا في زيادة معدلات الإصابة بالأزمات القلبية, فالأشخاص (وخصوصا النساء) الغير متزوجين ممن لم يكملوا دراستهم , يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأزمات القلبية, هذه الارتباطات أيضا هي روابط إحصائية فقط لكنها قد تلعب بدور غير مباشر في الأزمة القلبية.
11- دور البروتين التفاعلي - سي
(C-reactive protein-CRP) في مرض الأزمة القلبية:
في البداية دعنا نسأل ما هو هذا البروتين؟؟
هذا البروتين هو أحد البروتينات التي يصنعها الكبد والخلايا الدهنية داخل الجسم كرد فعل على وجود التهاب ما, وبذلك يحاول هذا البروتين مساعدة جهازنا المناعي على القيام بوظائفه. فوجود حالة إلتهابية في الجسم ترفع مستوى هذا البروتين في الدم بشكل دراماتيكي وبالعكس فإن الكشف عن هذا الارتفاع في الدم قد يعطي دليلا على وجود
الالتهاب, ولكن -للأسف- فإن هذا البروتين ليس حكرا على مـُسبب واحد بعينه بل أن هناك العشرات والعشرات من الأسباب التي قد تسبب التهابات فترفع نسبته في الدم.
ولكن ما هو دور هذا البروتين في أمراض شرايين القلب؟؟
لقد تم الكشف مؤخرا عن أن ارتفاع معدل هذا البروتين في الدم يرتبط بشكل طردي مع ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية ,وأمراض ضغط الدم ومرض السكري . وفسر العلماء هذه العلاقة بأن لهذا البروتين دورا في تحفيز تكوين لويحات الكوليسترول في الجدر الداخلية للأوعية الدموية كما وأنه يزيد من درجة التحلل والموت الحادث لخلايا القلب عندما يحدث إحتشاء بها , وقد أوصى بعض الأطباء بأن استخدام الأدوية التي تقلل من نسبة هذا البروتين في الدم قد ينعكس إيجابا على صحة المريض.
واستدل هؤلاء الأطباء بدراسة عالمية كبرى سميت بـ " تجربة جوبيترjupiter trial " جرت على أكثر من 15,000 متطوع وشملت بلدانا عدة منها أمريكا وأوروبا وكندا والشرق الأوسط و أمريكا اللاتينية , واستهدفت هذه الدراسة هؤلاء الأشخاص الذين يظهرون معدلات مرتفعة للبروتين التفاعلي سي عالي الحساسية (high sensitive CRP) في الدم وفي نفس الوقت عندهم معدلات طبيعية لدهون الدم .وكانت الدراسة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات تسعى إلى إثبات ما إذا كان استخدام الأدوية التي تقلل من هذا البروتين في الدم (كدواء روسوفاستاتين Rosuvastatin) سيقي هؤلاء الأشخاص من أمراض الشرايين والأزمات القلبية أم لا ؟ وفعلا نجحت الدراسة في هذا الاثبات .
ملاحظة: هذا الدواء أيضا له فائدة مزدوجة حيث أنه من الأدوية التي تضبط مستوى الكوليسترول في الدم بالإضافة إلى دوره في خفض مستوى البروتين التفاعلي سي .
12- لاحظ بعض العلماء أن نسبة لا بأس بها من مرضى الأزمة القلبية يشتكون أيضا من إلتهاب اللثة و الأغشية المحيطة بالأسنان (Peri-odontitis) وعلى الرغم من وجود هذه المشاهدة الغريبة لمرضين قد لا يبدوان - من بعيد - مرتبطين إلا أن هؤلاء العلماء قد أثبتوا أن البكتيريا التي تسبب هذا النوع من الالتهاب تقوم برفع مستويات مواد إلتهابية عدة في الدم منها البروتين التفاعلي سي والذي سبق وأن ذكرناه, بالإضافة إلى بروتين الفايبرينوجين (fibrinogen) المعروف بدوره في إحداث التخثرالدموي بالإضافة إلى العديد من
صورة بالمجهر الالكتروني للخلايا الرغوية التي تقوم بالتهام الكوليسترول
المواد الإلتهابية الأخرى, بل وقد أثبت العلماء أن لهذه البكتيريا دور فـي تشجيـع تكـوين الخلايا الرَغوية (foam cells).
والخلايا الرغوية هي خلايا دم مناعية بيضاء تقوم بالتهام الكوليسترول وتتواجد في الألواح التصلبية الشريانية وتحت المجهر لها شكـل رغـوة الصابون، ولهذه البكتيـريا أيضـا دور في تحفيز الصفائح الدموية للالتصاق ببعضها البعض لتكون الجلطة, أي أن هذه البكتيريا تشارك على عدة أصعدة في إحداث الجلطات القلبية.
13- أشارت بعض الدراسات إلى أن الشرايين التاجية المتصلبة التي يتراكم بها الكالسيوم (المتكلسة) والتي تظهر عن طريق التصوير المحوري الطبقي (CT-Computed tomography) تكون أكثرعرضة للتمزق وإحداث الجلطة في شرايين القلب.
14- النساء - وخصوصا المدخنات منهن وكبار السن- اللواتي يتناولن أقراص منع الحمل التي تحتوي على هرموني الإستروجين والبروجيستيرون(combined oral contraceptive pills) قد يكن عرضة - ولكن بشكل طفيف - للإصابة بأمراض الشرايين القلبية وذلك لأن هذه الهرمونات قد تتلاعب في دهون الدم فتقلل الكوليسترول الجيد وتزيد الكوليسترول السييء مما يتبع ذلك من أضرار كما سبق وأن ذكرنا.
15- تعاطي الكوكايين والمخدرات قد يتسبب بإحداث أزمات قلبية.
التشخيص :
يتم تشخيص الاحتشاء في عضلة القلب باستخدام عدة وسائل مع بعضها البعض ,لتأتي لنا بالتشخيص الأكيد, ويرجع ذلك إلى أن هذا المرض قد يظهر بأعراض مختلفة وبالتالي ولشدة خطره وتأثيره على الصحة وعلى الحياة وجب استخدام عدة طرق مجتمعة لتأتي لنا في النهاية بالتشخيص القاطع بما سيترتب عليه بعد ذلك من خطط علاجية وتدخلات طبية مختلفة قد تكون جراحات كبرى في بعض الأحيان تمتد مع المريض إلى أخر العمر.
يبدأ التشخيص بدراسة طبيعة الأعراض وشكلها ثم يمتد لما بعد الفحص السريري إلى إجراء رسومات تخطيط لكهربية القلب(electro cardio gram- ECG) ثم بإجراء فحص للدم لاستبيان ارتفاع إنزيمات القلب (cardiac markers), وينتهي التشخيص بعد إجراء تخطيط وعائي للشرايين التاجية (coronary angiogram) الذي يقطع بوجود انسداد شرياني واحد أو أكثر وبالتالي يمكن التدخل لإزالة هذا الانسداد بعدها.
قد يقوم طبيب القلب المختص بإجراء صورة تليفيزيونية للقلب باستخدام الموجات الفوق صوتية أو ما يعرف بين العامة بالإيكو (echo cardiogram) ليتحقق من وجود إضطراب في حركة أي جزء من جدار القلب فيؤكد بذلك تشخيص و مكان الاحتشاء, وقد يطلب أيضا صورة بأشعة إكس(الأشعة السينية) على الصدر ليتحقق من وجود المضاعفات كفشل القلب أو استسقاء الرئة.
في بعض الحالات قد يصل المريض إلى المستشفى بعد أن تزول الأعراض نهائيا وهنا قد يلجأ الطبيب إلى إجراء فحص للقلب باستخدام النظائر المشعة (radio isotope scan)الذي يعرف بالطب النووي (nuclear medicine) وذلك عن طريق حقن مادة مشعة داخل الوريد غالبا ما تكون التيكنيشيوم 99 ام
صور فحص القلب باستخدام النظائر المشعة
(technitium 99-m ) أو الثاليوم201 و يتم تصوير القلب باستخدام جهاز معين ثم يقوم الطبيب بزيادة الجهد على القلب باستخدام عقاقير طبية معينة او بإجراء مجهود عضلي محسوب تحت إشراف طبي ويلي ذلك تصوير القلب مرة أخرى لتظهر المنطقة المحتشية من القلب حيث أن للنظائر المشعة القدرة على الوصول إلى الخلايا القلبية السليمة فقط وبالتالي تظهر المنطقة المحتشية التي لم يصلها الدم ولم تأخذ هذه المواد المشعة بوضوح فيتم التشخيص.
بعض هذه الوسائل التشخيصية بالتفصيل:
أولا: الفحص السريري :
* الفحص العام لجسد المريض:
تختلف الظواهر العامة لمرض احتشاء عضلة القلب من مريض لآخر , فقد يظهر المريض في لحظة الكشف عليه هادئا بعيدا عن التوتر وقد يكون منزعجا متألما وخصوصا في حالات الأزمات القلبية الكبرى حين يكون الألم شديدا ويكون المريض مضطربا جدا,وهذه بعض العلامات التي قد يجدها الطبيب عندالفحص السريري للمريض:
1- ارتفاع في معدل التنفس (تسارع لعدد مرات التنفس في الدقيقة الواحدة).
2- برودة وشحوب في جلد المريض ويرجع هذا إلى ما سبق وذكرناه من ارتفاع معدلات الأدرينالين والنور أدرينالين في الدم والتي تؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية الدقيقة الموجودة في الجلد.
3- ارتفاع بسيط في درجة الحرارة احيانا .
4- بالنسبة لضغط الدم فإن نتائجه قد تتباين باختلاف حالة المريض, فإذا كان الاحتشاء بسيطا نسبيا قد يقوم الأدرينالين المرتفع في الدم برفع ضغط الدم , أما إذا كان الاحتشاء كبيرا فحينها قد يعجز القلب عن الحفاظ على الضغط اللازم في الدورة الدموية, فيبدأ الضغط بالانخفاض تدريجيا كلما تقدم الضرر الحادث في عضلة القلب وصولا إلى هبوط حاد في الدورة الدموية قد يودي بحياة المريض.
5- عند فحص نبض المريض قد يجد الطبيب نبضا غير منتظم مما قد يعطي مؤشرا عن وجود اختلالات كهربية في القلب.
* فحص قلب المريض:
تختلف العلامات التي تظهر على القلب المحتشي تبعا لمكان ولاتساع المنطقة المحرومة من الامداد الدموي في عضلة القلب ,وعندما يقوم الطبيب بالاستماع إلى أصوات القلب قد يجد واحدة أو أكثر من العلامات الاتية:
1- ظهور صوت ثالث في القلب (لا يوجد في الأحوال الطبيعية) قد يترافق مع لغط قلبي(murmur) وهو عبارة عن صوت هسيس غير طبيعي في القلب يحدث إذا ما اضطرب سير تيار الدم داخل القلب.
2- قد يظهر الصوت الثاني للقلب منفصلا بشكل غير طبيعي.
3- قد تظهر أصوات احتكاكية بين عضلة القلب وبين غشاء التامور المحيط بها وعند الاستماع إلى أصوات التنفس الرئوية قد يجد الطبيب عند قاعدة الرئة أصواتا تنفسية غريبة تسمى بالصلصلة
(rales).
في الحالات الشديدة عندما يقترب القلب من الفشل وظيفيا ويعجز عن ضخ الدم القادم إليه من الأوردة الجسمية الكبرى فتحتقن بالدم (وخصوصا إحتقان الأوردة الوداجية <jugular veins>الموجودة بالعنق), وقد يكشف الطبيب وجود إحتقان للأوردة الموجودة بالكبد وتضخم في حجمه,وقد يظهرتورم واستسقاء في الأطراف السفلية.
ثانيا : التخطيط الكهربي للقلب :
إذا حدث أي اختلال في أي جزء من أجزاء القلب (مثلا عند حدوث احتشاء في جزء من عضلة القلب) يتبع هذا الاختلال اختلال آخر في السيال الكهربي داخل عضلة القلب والذي يمكن تسجيله عن طريق الجلد.
هذا هو المبدأ العام لفكرة التخطيط الكهربي للقلب حيث يتم استخدام مجسات هي عبارة عن أسلاك غالبا ما يكون عددها عشرة توضع ستة منها بترتيب معين على الصدر وواحد على المعصم الأيمن وأخر على المعصم الأيسر وأخر عند الطرف السفلي الأيسر وأخيرا عند الطرف السفلي الأيمن, تتصل هذه الأسلاك بجهاز حساس يقوم باستقبال هذه الإشارات الكهربية الضعيفة جدا ويقوم بمعالجتها وتسجيلها على شريط ورقي مخطط لتعطي لنا في النهاية رسم لكهربية القلب.
يعتبر إجراء هذا التخطيط الكهربي للقلب هو حجر الأساس في طريق التشخيص عند مرضى الأزمة القلبية, ونحن في هؤلاء المرضى لا نكتفي بإجرائه مرة واحدة فقط , بل إننا نقوم بعدة تخطيطات متعاقبة لنكشف كل الإختلالات في كهربية القلب بشكل دقيق. وعلى الرغم من أن هذا التخطيط لا يلبي أقصى الطموحات التشخيصية عند الطبيب إلا أن سهولته وسرعته جعلتا له أهمية خاصة في مرضى الاحتشاء القلبي بل وإنه في بعض الأحيان قد يعطي لنا دليلا عن مكان الجزء المحتشي من القلب .
وتبعا لنتائج الرسم الكهربي للقلب يتم تقسيم المرضى المصابين بالذبحة الصدرية (آلام الصدرالقلبية المصدر) إلى:
1- المرضى الذين يظهرون ارتفاع الجزء إس تي (ST elevation MI):
ويشكلون ثلث حالات الاحتشاء القلبي وهؤلاء المرضى غالبا مايكونون مصابين بانسداد كامل لأحد الشرايين التاجية أو أحد فروعها. ودائما ما يظهر هؤلاء المرضى صور للموجة كيوالمَرَضية التي تعني حدوث موت كامل لجزء من عضلات القلب.
ويجب على الطبيب الذي سيقوم بتحليل هذه الرسومات أن يعلم بأن هناك أمراض أخرى عضوية أو كهربية في القلب قد تقوم بإحداث مثل هذا الارتفاع في الموجة إس تي (يعرف ذلك بالاحتشاء الكاذب)وبالتالي سيمكنه تجنب تشخيص الأزمة القلبية خطـًأ .
2- المرضى الذين لا يظهرون ارتفاع الجزء إس تي (non ST elevation MI):
ويشكلون ثلثي حالات الاحتشاء القلبي وهؤلاء المرضى غالبا ما يتوقف تشخيصهم على أنه ذبحة صدرية غير مستقرة(unstable angina) (إنسداد جزئي مؤقت في أحد الأفرع الشريانية التاجية) أو احتشاء قلبي صغير محدود .
وتتشابه الأعراض ورسوم التخطيط الكهربي لهذين المرضين بشكل كبير(لذلك فخطة علاجهما واحدة تقريبا )إلا أن الذبحة الصدرية غير المستقرة لا يرافقها موت لخلايا القلب وبالتالي لا تترافق مع ارتفاع مستوى التروبونين وباقي الانزيمات القلبية, كما وأن الألم الموجود فيها لا يتعدى حاجز العشرين دقيقة التي أشرنا إليه سابقا.
* دور التخطيط الكهربي للقلب في تحديد مكان الاحتشاء:
إذا ظهرت الاختلالات الكهربية التي ذكرناها في الصور التي تأتي من الأسلاك المسماة بـ
(v1,v2,v3,v4) التي توضع على الجهة الأمامية من الصدر يعني هذا أن الاحتشاء موجود –غالبا- في السطح الأمامي للقلب (البطين الأيمن) ,أما إذا ظهرت الاختلالات على الصور الآتية من الأسلاك (I,avl,v5,v6) فإن الاحتشاء غالبا من سيكون في الجزء الجانبي للبطين الأيسر, وإذا حدثت الاختلالات في صور الأسلاك (II,III,avf) فهذا يعني أن الاحتشاء موجود في الجزء السفلي من القلب.
ولكن وفي بعض الاحتشاءات التي تحدث في الجهة الخلفية من القلب أو في بعض أجزاء البطين الأيمن التي قد لا تظهر على
مخططات الرسم الكهربي للقلب مما يشكل صعوبة أكبر عند تشخيصها , ويمكن للطبيب وقتها استخدام بعض الاضافات على جهاز التخطيط الكهربي التقليدي وذلك بوضع المزيد من المجسات على الجهة اليمنى من الصدر أو على الظهر.
ثالثا: قياس مستوى الأنزيمات القلبية في الدم :
إذا حدث إنقطاع للإمداد الدموي لجزء من عضلة القلب تبدأ هذه الخلايا العضلية بالتحلل والموت تدريجيا ويؤدي هذا إلى تسرب للبروتينات والإنزيمات الموجودة داخل هذه الخلايا لتصل إلى مجرى الدم .
بمعنى أنه إذا استطعنا الكشف عن إرتفاع مضطرد في نسبة هذه البروتينات والإنزيمات في الدم فإننا نكون قد أكدنا إصابة أنسجة القلب بالضرر والتحلل, أي أننا استطعنا إثبات وجود الأزمة القلبية.
ومن أشهر المواد التي تتسلل من خلايا القلب المتهتكة إلى مجرى الدم بروتين اسمه تروبونين تي و آي (troponin T,I) ولهذا البروتين بالذات ميزة لا تتوافر في باقي الإنزيمات التي سنذكرها لاحقا ألا وهي تفرده بالخلايا القلبية فقط, أي أن إرتفاع هذا البروتين في الدم يعني من غير شك حدوث ضرر لعضلات القلب,ويمكن اكتشاف الارتفاع الحادث لهذا البروتين في الدم ابتداءٌ من4-6 ساعات عقب الإصابة بالاحتشاء ويستمر هذا الارتفاع تدريجيا معلنا إستمرار عملية التحلل الخلوية ويظل مرتفعا لفترة تقارب الأسبوعين, وارتفاع هذا البروتين يتناسب طرديا مع كمية العضلات القلبية المحتشية لذلك فإن كمية ارتفاعه في الدم قد تعطي فكرة عن حالة القلب مستقبلا.
وهناك إنزيم الكرياتين كاينيز-إم بي(creatine kinase-MB) الذي هو الآخر له دور في تشخيص الاحتشاء القلبي ويمكن كشف هذا الإنزيم في الدم إبتداءً من 8-12 ساعة عقب الإصابة .
قديما وقبل إكتشاف التروبونين والكرياتين كاينيز -إم بي كانت هناك بعض الإنزيمات التي يمكن أن تساعد في تشخيص الأزمة القلبية مثل إنزيم (إل-دي-إتش LDH) و إنزيم (إيه -إس-تيAST) ولكن هذين الإنزيمين قد يتواجدان في أماكن أخرى من الجسم وبذلك فإنهما قد يرتفعا في الدم بفعل أمراض أخرى مما يقلل من تخصصهما للأمراض القلبية وهذا الكلام ينطبق أيضا على مادة المايوجلوبين(myoglobin) التي تعتبر أول المواد التي ترتفع في الدم ولكنها غير متخصصة أبدا للعضلات القلبية لذلك فإن استخداماتها تنحصر في بعض الحالات الخاصة فقط.
ويجب علينا أن نركز على نقطتين في غاية الأهمية ألا وهما:
1- بالرغم أن التروبونين يظهر مبكرا جدا (خلال دقائق إلى ساعات من بدء الإصابة) إلا أن هذه الفترة وإن قصرت هي أكثر فترات المرض حرجا لذا فيجب عدم تأخير البدء بالعلاج وعدم تضييع هذا الوقت الثمين من عمر المريض. بل و بالاستناد إلى الأعراض و إلى رسوم كهربية القلب يجب البدء فورا بالعلاج ثم تأتي نتائج فحوص إنزيمات القلب لتؤكد التشخيص فيما بعد.
2- لا ترتفع هذه الإنزيمات التي ذكرناها إلا في حالة حدوث تضرر في عضلات القلب لذا ففي المرضى الذين يشتكون من ذبحة صدرية فقط (angina pectoris) بدون إحتشاء ,لا يمكن الكشف عن هذه البروتينات والإنزيمات في الدم وبذلك قد تعتبر هذه طريقة مهمة للتفريق بين الحالتين, ولكن إذا تم التدخل سريعا جدا (خلال ساعتين) من بدء الاحتشاء وتم إعادة التروية للقلب بسرعة فإن عدد الخلايا المتحللة وقتها سيكون محدودا وبالتالي فإن درجة الارتفاع الطفيفة لهذه البروتينات قد لا يتم كشفها معمليا وتسمى الأزمة وقتها بالأزمة القلبية المجهضة(aborted myocardial infarction).
رابعا : التخطيط الوعائي للشرايين التاجية :
coronary angiography
يعتمد هذا التخطيط على إظهار الشرايين التاجية المحيطة بالقلب على أفلام الأشعة ومن ثم يمكن للطبيب المختص اكتشاف أماكن الانسداد الموجود بها بما يفيد بعد ذلك إذا ما لزم تدخل جراحي لإزالة هذه الانسدادات.
صور للشرايين التاجية بمساعدة القسطرة القلبية وللقيام بهذا التخطيط الشرياني توجد عدة طرق ولكن أكثرها أهمية هي استخدام القسطرة القليبة.
* دور القسطرة القلبية في تخطيط شرايين القلب:
إذا أخذنا صورة مباشرة للقلب باستخدام أشعة إكس فإن أنسجة القلب والشرايين التي تحيط به بالكاد ستظهر في هذه الصور لأن أشعة إكس غير قابلة لتصوير كافة أنسجة الجسم بنفس الوضوح فبعض الأنسجة كالعظام مثلا تظهر بوضوح شديد على هذه الصور أما بالنسبة للأنسجة الرخوة مثل أنسجة القلب وأنسجة الشرايين فإن قابلية أشعة إكس لتصويرها ضعيفة جدا, ولكن إذا استطعنا ملأ هذه الشرايين بمادة لها قابلية الظهور على أفلام أشعة إكس فإننا بالتالي نكون قد حصلنا على التخطيط الشرياني الذي نريده, وهذه بالضبط هي فكرة عمل التخطيط الشرياني التاجي باستخدام القسطرة القلبية فباستخدام القسطرة (هي عبارة عن أنبوبة رفيعة جدا يبلغ قطرها حوالي 2مم) التي يتم إدخالها باستخدام تخدير موضعي عبر أحد الشرايين الكبيرة في جسم الإنسان (غالبا ما يكون الشريان الفخدي) ثم يقوم الطبيب المتخصص بالتقدم صعودا
داخل شبكة الشرايين وصولا إلى جذع الشريان ( الأبهر .. الأورطيaeortic artery) وبالتحديد عند منبت الشرايين التاجية التي تغذي القلب وهنا يقوم الطبيب باستخدام تجويف القسطرة لحقن مادة سائلة غير مضرة إطلاقا بالجسم ولها قابلية الظهور على أفلام أشعة إكس ,تختلط هذه المادة بالدم الداخل إلى الشرايين التاجية وبعد ذلك مباشرة يتم إلتقاط عدة صور للقلب عن طريق جهاز لأشعة إكس فتظهرلنا شبكة الشرايين التاجية وأي إنسدادات بها بصورة جلية غاية في الوضوح.