بقلم:محمد أبو الكرام
إذا حاولنا دراسة المسرح من جميع زواياه، بداية من تاريخه، ورواده. من خلال العروض المسرحية على الركح العربي والعالمي. يصعب علينا تحديد مصطلح محدد وعام نفهم منه المفهوم الوحيد للمسرح،نعرف جميعا لقبه المشهور "أبو الفنون" ونعرف كذلك لماذا سمي به؟ لكن قد يصعب علينا تحديد تعريف محدد لهذا الفن العريق.
التعريف اللغوي للمسرح في المعاجم العربية تقول: المَسْرَح: مَرْعَى السَّرْح، والسَّرْح من المال: ما يُغدَى به ويُراح، والجميع: سروح، والسارح اسم للراعي، ويكون اسماً للقوم الذين هم السَّرْح نحو الحاضر والسامِر وهم الجميع، قال الشاعر:
سَواءٌ فلا جَدْبٌ فيُعرَفُ جَدْبُها
ولا سارحٌ فيها على الرَعْي يَشَبعُ
يمكن أن نسقط هذا التعريف ونقول أن الركح هو المرعى، ونعتبر المادة المعروضة فوقه هي السَّرْح أي الغذاء، والراعي هو الممثل الذي يسعى الحفاظ على رعيته والحرص على جودة الغذاء (العمل المسرحي).
إذا أخذنا أي عرض مسرحي على سبيل المثال،كيفما كان شكله ونوعه،ومضمونه، ولغته،و مدرسته. لابد أن نفهم من المسرح أنه معرفة، وتعرف، وإدراك، وفهم، وتذكر، وتخيل، وانفعال، وتغير، ومزج بين شخصيات، وأفكار، ومشاعر، وصور، بل هي الحياة تجمع لنا من خلال أدوار مشخصة ممزوجة بين الخيال والواقع.تتحول من خلالها الخشبة إلى أرضية شاسعة تتلاقح فيها ثقافات وحضارات،تخلق لنا صورة ننغمس في عمقها بمشاعرنا وننفعل مع أدوار الممثل وبالتالي ينسج خيط يشارك المتلقي في حل "العقدة". وقد نفهم من هذه التعابير أن المسرح عبارة عن كون حر يعيش فيه المسرحي حياة التحرر،يفرض وجوده بتداخل بين الأداء، والتلقي، والتخيل، والإستمتاع.
إذا أردنا أن نفهم معني بعض المصطلحات (المعرفة،الإنفعال،الإدراك،التذكر،التخيل) فسنلاحظ أنها قد تحمل نفس المعنى أو تضم مجموعة من المفاهيم التي سبق ذكرها. فالمَعْرِفَةُ والعِرْفَانُ إدراكُ الشيءِ بِتَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ لأثرِهِ وهو أخَصُّ من العلم. وحدد الدكتور محمود أبو النيل في كتابه علم النفس الاجتماعي، المجلد الأول، ص 50مظاهر الإنفعال في ثلاث حالات،الأول ذاتي يشعر به الفرد.و الثاني خارجي يكشف عن نفسه في السلوك الحركي للفرد كالصراخ والبكاء والضحك والابتسام.أما الثالث فهو فسيولوجي،يظهر في ضربات القلب.
أما التذكر يعرفه أبو النيل باستعادة كل ما مر به الإنسان من أحداث وخبرات ومعلومات وصور حركية أو ذهنية سبق وأن تعلمها وأكتسبها وشاهدها وانفعل معها.
وبخصوص ظاهرة الخيال والتخيل. يقول الدكتور شاكر في كتابه علم نفس الإبداع أن التخيل هو نشاط غير متحكم فيه ينغمس فيها الفرد كبديل للواقع، وهو يرتبط بأحلام اليقضة. وقد تم التمييز بين التخيل وأحلام اليقضة باعتبار أن الأول له صفة لا شعورية،أما الثانية فلها صفة شعورية غالبة على صفاتها اللاشعورية.
والخيال بالمنظور العلمي هو القدرة العقلية النشطة على تكوين الصور والتصورات الجديدة تنتج عبر الدمج والتركيب وإعادة تركيب الذاكرة انطلاقا من الماضي أو الحاضر أو تخيل صورة خيالية للحياة في المستقبل.فالخيال إبداع بناء يتضمن العديد من عمليات التنظيم العقلية. حسب ميلتون روكيتش فخلال النشاط الخيالي تمتزج صور وخبرات وتوقعات الأزمنة الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل) ينتج عنها مركبا يسمى المنتج الخيالي الإبداعي.
وأخيرا يعرف مصطلح الإدراك بعد دراسات عديدة لعلماء النفس بالإستجابة لمنبهات تثير انتباهنا حسب خصائصها الطبيعية أو الرمزية. ويشترط في عملية الإدراك التصور والتذكر، ويمكن الإنسان من التكيف مع بيئته، وبالتالي فهو وسيلة اتصال الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها.
من خلال الدراسة البسيطة لبعض المفاهيم التي اعتبرناها مجتمعة في مصطلح "المسرح" والتي قد نستنتجها من خلال مشاهدتنا لعروض مسرحية مهما اختلفت مضامينها ومدارسها…أو بالدراسة العميقة لهذا الفن العريق. قد نستنتج أن تلك المفاهيم متداخلة ومركبة فيما بينها أو قد تشرح بعضها البعض.وبعبارة أخرى هي مفاهيم تجمع كلها المعنى العميق للمسرح. وبالتالي ليس للمسرح مفهوم واحد محدد بل هو مجموعة من المصطلحات التي تعطي معاني مختلفة لمفهوم المسرح.